بسم الله الرحمن
الرحيم، عادةً ما نسمع نحنُ الشباب عبارات مثل "الكبار اكثر فهماً بالحياة من
الشباب" و "الشباب يفتقرون الى الخبرة في الحياة" وما الى هذه
العبارات، لكن هل هذا الكلام
صحيح كلياً ام صحيح نسبياً ام غير صحيح؟ وما مدى صحتها استناداً للقرآن والسُنة
النبوية؟ هذا ما سنجيب عنهُ في هذا المقال بأذن الله.
هل الاشخاص الأكبر سناً هم الأكثر علماً وحكمةً؟ |
قبل ان ابدأ
بالمقال اريد ان اقول لك الهدف من هذا المقال هو:
الأول: توضيح ان السن ليس مقياساً لمدى العلم
والفهم والحكمة لدى الانسان (وان كان السن عاملاً مهماً).
الثاني: حث الشباب على العمل وعلى عدم
الاكتراث لمن يحاول ابعادهم عن العمل والسعي بحجة صغر سنهم وقلة علمهم وفهمهم.
صحيح ان الانسان كلما تقدم بالعمر ادرك
اموراً اكثر في الحياة، لكن لكي تصبح العبارات السابق اكثر صحة يجب ان نضع اعتباراً
مهماً وهو: القياس على نفس الشخص، اي يمكننا القول على شخص بأنهُ اصبح اكثر حكمة عندما بلغ الأربعين مقارنةً بنفسه في عمر الثلاثين (وضع تحت كلمة
مقارنةً بنفسه ثلاث خطوط)، لكن لو طبقنا العبارة السابقة على شخصين مختلفين في
العمر فليس شرطاً ان يكون الأكبر سناً اكثر فمهاً وادراكاً للحياة من الاصغر سناً،
فقد يكون صاحب العمر الأصغر اكثر فهماً للحياة ونجد امثلة على هذا في القرآن
والسُنة.
شواهد من القرآن
لقد قام نبي الله ابراهيم -عليه السلام- بدعوة ابيه آزر وقومهُ الى ترك عبادة الاصنام وتذكيرهم بأن هذه الاصنام لا تضر ولا تنفع وعندما رأى ابراهيم -عليه السلام- صدوداً من قومه عن الحق اقسم بأنهُ سيكيد اصنامهم حيث قال: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) [الأنبياء: 57]، الان تأمل معي ان النبي ابراهيم -عليه السلام- فعل كل ما سبق وهو فتى كما جاء ذكر ذلك في القرآن الكريم: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) [الأنبياء: 60].
وايضاً لو تلاحظ في قصة اصحاب الكهف انهم عرفوا الحق وهروبوا من قومهم الذين كانوا على الكفر رغم انهم فتية، قال الله سبحانه وتعالى: (نحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف: 13].
شواهد من السُنة
عن سهل بن سعد -رضي الله عنهُ- قال: أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتِيَ بشَرَابٍ فَشَرِبَ منه، وعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ، وعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: (أتَأْذَنُ لي أنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ الغُلَامُ: واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ، لا أُوثِرُ بنَصِيبِي مِنْكَ أحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في يَدِهِ) [صحيح البخاري 5620، صحيح مسلم 2030].
لاحظ معي مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان فيه شيوخ ولكن مع ذلك كان هناك شباب ايضاً وليس هذا فحسب وانما احد الشباب كان جالساً على يمين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولاحظ ايضاً ان الرسول -صلى الله عليه وسلم- استأذن الغلام قبل الشيوخ وذلك لان الغلام كان جالساً على يمين الرسول -صلى الله عليه وسلم- والايمن هو الأحق بالبدأ.
عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: (بَعَثَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعْثًا، وأَمَّرَ عليهم أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ في إمارَتِهِ، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنْ تَطْعُنُوا في إمارَتِهِ، فقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ في إمارَةِ أبِيهِ مِن قَبْلُ، وايْمُ اللَّهِ، إنْ كانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمارَةِ، وإنْ كانَ لَمِنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، وإنَّ هذا لَمِنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ بَعْدَهُ) [صحيح البخاري 4250].
كان سن اسامة بن
زيد في هذا الحديث لا يتجاوز العشرون عاماً حيث وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- اسامة بن زيد اميراً على الجيش وهذا يبين لك ان الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان
لا يمانع من وضع شاب على رأس جيش ان كان جديراً بذلك.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (وكانَ القُرَّاءُ أصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ ومُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أوْ شُبَّانًا) [صحيح البخاري 7286].
لاحظ في الحديث السابق يذكر لنا ابن عباس -رضي الله عنهما- ان مجلس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يضم شبان وكهول ومجلس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان لا يجلس فيه الا اصحاب العلم وهذا هو المقصود بكلمة (القُراءُ) اي العلماء.
اقرأ الحديث التالي لتعرف لماذا كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنهُ- يدخل شاباً مثل ابن عباس -رضي الله عنهما- مع اشياخ بدر في مجلسهُ، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: (كانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مع أشْيَاخِ بَدْرٍ، فَكَأنَّ بَعْضَهُمْ وجَدَ في نَفْسِهِ، فَقالَ: لِمَ تُدْخِلُ هذا معنَا ولَنَا أبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟! فَقالَ عُمَرُ: إنَّه مَن قدْ عَلِمْتُمْ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَومٍ فأدْخَلَهُ معهُمْ، فَما رُئِيتُ أنَّه دَعَانِي يَومَئذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ، قالَ: ما تَقُولونَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أنْ نَحْمَدَ اللَّهَ ونَسْتَغْفِرَهُ إذَا نُصِرْنَا وفُتِحَ عَلَيْنَا، وسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شيئًا، فَقالَ لِي: أكَذَاكَ تَقُولُ يا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلتُ: لَا، قالَ: فَما تَقُولُ؟ قُلتُ: هو أجَلُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعْلَمَهُ له، قالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، وذلكَ عَلَامَةُ أجَلِكَ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، فَقالَ عُمَرُ: ما أعْلَمُ منها إلَّا ما تَقُولُ) [صحيح البخاري 4970].
كما رأيت في الامثلة السابقة كيف كان هناك
دور للشباب ولم يقل لهم احد ابتعدوا لأن خبرتكم بالحياة قليلة بل على العكس بعض
الشباب في الامثلة السابقة كان اكثر فهماً وعلماً ممن هم اكبر منهم سناً.
وقبل ختام هذا المقال احب ان اقول كل الحقائق المهمة في الحياة سوف يُدركها الانسان عاجلاً ام اجلاً فقد تجد احدهم بعمر العشرين ادرك وعلمَ من الحقائق ما لم يدركهُ شخص وصل الى الستين وفي اسوء الأحوال قد يدرك الانسان الحق وقت الموت أو يوم الحساب فيندم ندم لا ينفعهُ (نعوذ بالله من هذا الحال) وكلما ادرك الانسان الحق مبكراً كان افضل له لان كلما تأخر في ادراك الحق ازداد ندمهُ على ما ضيع بسبب جهله وتقصيره واحب ان اُشير ايضاً الى شيء مهم وهو ادراك الحق يحتاج الى ثلاث امور مهمة هي توفيق الله للانسان وعمل الانسان بالأسباب التي يسره االله له واخلاص النية لله سبحانه وتعالى.
واخيراً احب ان
اوجه رسالتين مهمة واحدة للشباب واخرى لمن جاوز سن الرُشد:
اما الشباب
فأقول لهم استمروا بالسعي بما يرضي الله ولا تكترثوا لمن يحاول تثبيطكم وابعادكم
عن العمل بأي اسلوب كان وخُذوا من كلام الناس ما ينفعكم واتركوا الباقي ورائكم.
اما لمن جاوز سن
الرُشد فأقول كن مع الشباب وليس ضدهم، كن معيناً لهم، علمهم، وجههم، ساعدهم،
انصحهم، حفزهم على العمل والسعي بما يرضي الله، واحتسب بذلك الاجر عند الله.
واخيراً اريد ان اذكرك عزيزي القارئ بأمر مهم انك وان كُنت ترى نفسك بأن الله رزقك علماً وفهماً للحياة اكثر ممن هم اكبر منك سناً فعليك بشكر الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة واحذر من التكبر والغرور وعليك ايضاً احترام من هم اكبر منك سناً وان كانوا اقل منك علماً لان العلم بالدين يدفع الانسان الى التواضع وليس التكبر.
الكاتب: مصطفى الحسان
اكتب تعليق اذا كان لديك اي اقتراح أو سؤال عن الموضوع