بسم الله الرحمن الرحيم، في مقال السابق قمتُ بتلخيص شرح الشيخ أحمد السيد للركن الأول والثاني من أركان الإيمان، في هذا مقال سوف الخص الركن الثالث والرابع والخامس من أركان الإيمان.
كتاب البناء العقدي للجيل |
الركن الثالث: الإيمان بالكتب
يقول الشيخ أحمد السيد: "من شمولية
الإسلام وخصائصه وتميزه على ما سواه: أنه يجعلك تصطلح مع كل رسل الله وكتبه وليس
كبقية الأديان، بل إن الإسلام يخبرك بأنك إن لم تؤمن بالأنبياء الذين بُعثوا لأهل
الكتاب - اليهود والنصارى - فإنك لا تكون مسلماً. قارٍن هذا بضيق الأفق الذي تجده
عند أهل الكتاب الذين يفرقون بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض".
كيفية الإيمان بالكتب؟
هناك مقامين للإيمان بالكتب:
الأول: التصديق المجمل (هو الإيمان بأن الله أنزل كُتبا على رسله وأنبيائه).
الثاني: التصديق المفصّل (هو التصديق بكل ما أخبر به الله سبحانهُ وتعالى في
القرآن الكريم).
قد يخطر سؤالك في ذهنك الآن كيف نؤمن
بالتوراة والإنجيل وقد تم تحريفهم؟
نحن نؤمن بأن الله أنزل التوراة والإنجيل
كما قال تعالى: (لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا
بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ
ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ) [الحديد: 25]، لكن نؤمن ايضاً أنهم -التوراة
والإنجيل- قد تم تحريفهما كما قال الله سبحانه: (أَفَتَطْمَعُونَ
أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ
اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
[البقرة: 75]، رغم أن جزء كبير من التوراة والإنجيل قد تم تحريفهم لكن هذا لا يعني
أنهُم لم يبقى فهم أي شيء صحيح من الأمثلة التي ذكر الشيخ أحمد السيد على ذلك هو
وجود نصوص تتحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وتبشر به.
الركن الرابع: الإيمان بالرسل
كما أننا كمسلمين نؤمن بكل الكتب التي
أنزلها الله تعالى، كذلك نؤمن بكل الرسل الذين أرسلهم الله سبحانه، وايماننا
بالرسل يكون على شقين:
الأول: الإيمان المفصّل وهو الإيمان بكل التفاصيل (أسمائهم وصفاتهم وكتبهم
وأخبارهم) التي ذكرها الله سبحانه عن بعض الرسل.
الثاني: الإيمان المجمل وهو الإيمان بالرسل الذين أرسلهم الله ولم يذكر أسمائهم أو أحوالهم، كما قال سبحانه: (وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلۡحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ) [غافر: 78].
ملاحظة هامة:
يجب أن تدرك التالي (دين الأنبياء واحد
وشرائعهم مختلفة) أي أن كل الأنبياء كانوا مسلمين وأديانهم قائمة على التوحيد كما
قال سبحانه: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ
إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ
النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ
لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 136]، لكن الشرائع كانت تختلف بين نبي وآخر كما
قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهَاجًا ۚ) [المائدة: 48].
يقول الشيخ: "يخبرنا القرآن ايضاً
بأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بُعث مصدقاً للأنبياء في أصل هذه الرسالة، وأن
شريعته جاءت ناسخة لكل الشرائع السابقة ومهيمنة عليها، كما قال سبحانهُ وتعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ) [المائدة:
48]".
دلائل نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-
نقل الشيخ نقلاً عن الإمام ابن أبي العز
الحنفي وقد اعجبني هذا النقل لذلك سوف اضعهُ لك هنا، يقول الإمام ابن أبي العز:
"النبوة إنما يدّعيها أصدق الصادقين، أو أكذب الكاذبين، ولا يلتبس هذا بهذا
إلا على أجهل الجاهلين، بل قرائن أحوالها تُعرب عنهما، وتُعرف بهما، والتمييز بين
الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما دون دعوى النبوة، فكيف بدعوى النبوة؟".
تنوع وتكامل دلائل النبوة
يذكر الشيخ شيئاً يساراً من دلائل النبوة
وسوف اقوم انا بنقل بعضها لك:
1. الكمال الأخلاقي
(الصدق والأمانة) - من الأمثلة على ذلك هو موقف وضع الحجر الأسود في الكعبة عند
زمن الجاهلية، ومثال آخر عند البعثة حيث قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لو
أخبرتكم أن جيشاً سيخرج من وراء الجبل هل تصدقوني فقالوا: نعم.
2. الآيات الحسية -
أعظمها عجز العرب عن معارضة الكتاب الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وعجزهم عن الأتيان بسورة مثل سور القرآن رغم ان العرب عرفوا بالشعر وفصاحى اللسان.
3. الأخبار الغيبية -
الأخبار بفتح فارس (لئن طالت بك حياة لتُفتحنّ كنوز كسرى) [البخاري 3595].
4. القرآن الكريم - فيه
العلوم العالية التي لم يعرفها العرب ولا يستطيعونها مع أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- نشأ بينهم.
دلائل النبوة كثيرة جداً وقد أوصلها بعض
العلماء إلى ألف دليل، لمن يريد المعرفة اكثر عن دلائل النبوة فليقرأ أحد الكتاب
التالية: كتاب (دلائل النبوة للبيهقي)، ومن الكتب المعاصرة: كتاب (براهين النبوة
لسامي عامري) وكتاب (النبأ العظيم لمحمد دراز).
الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر
يقول الشيخ: "يبدأ اليوم الآخر
بالنسبة للإنسان عند لحظة موته، حيث ينتقل من عالم الدنيا إلى عالم آخر، عالم
محجوبة حقائقه عن حواسنا، وإن كنا نعلمها بالخبر الصادق عن النبي -صلى الله عليه
وسلم-".
في لحظة الموت تأتي بشرى كبرى من الملائكة
للمؤمن برضوان الله وجنته، فيقولون له: لا تخف مما أمامك ولا تحزن على ما وراءك،
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء
الله كره الله لقاءه). والبُشرى الأكبر هي يوم يستلم كتابه بيمينه يوم القيامة.
يقول الشيخ: "من عقيدة أهل السنة
والجماعة أن الإنسان بعد موته وقبل بعثه -أي في مرحلة البرزخ حين يكون في قبره-
فإنه لا يعيش مرحلة فراغ، بل إنه يمر برحلة طويلة للروح إما نعيم وإما شقاء، وأنه
أول ما يوضع في قبره يتعرض للسؤال والامتحان من جهة ملائكة مخصصة لذلك، وأنه سيجيب
بحسب سيره في الحياة الدنيا، وأنه بناء على هذا الجواب سيعيش بقية حياته البرزخية
في القبر".
ملاحظة: تحدث الشيخ أحمد السيد عن (النفخ في الصور، والبعث والحشر، والحوض،
طلب الشفاعة لبدء الحساب، الصراط، الشفاعة في الخروج من النار، دخول الجنة، جهنم)
وانا لم اقم بتلخيص شيئاً مما سبق وذلك بسبب أن الأمور السابقة ذكرت بشكل مترابط
وبسياق معين لا يمكن تلخيصه وانما يجب ان يتم قراءتهُ من البداية إلى النهاية لذلك
انا انصحك بالعودة الى الكتاب لقراءة الأمور السابقة.
والى هنا نصل الى نهاية هذا المقال، في
المقال التالي (سيكون المقال الأخير في سلسلة تلخيص كتاب البناء العقدي للجيل
الصاعد) سوف الخص الركن السادس من أركان الإيمان بالأضافة الى تلخيص القسم الثالث
(ما يضاد الإيمان ويناقضه) من اقسام الكتاب الثلاث.
اكتب تعليق اذا كان لديك اي اقتراح أو سؤال عن الموضوع