قرأت أن الشيخ العلامة أبا إسحاق الحويني رحمه الله ورضي عنه، قال في وصية لنساء الأمة:
<وصيتى للنساء: إِياكن أن تفعلن فينا مثلما فعل الرماة يوم أحد! أن تتركن الثغر خالياً فيأتي العدو من قبلكن>.
![]() |
وصية من أبا إسحاق الحويني لنساء الأمة |
قلت: قصة الرماة يوم أُحد هي، أنه كانت هناك معركة بين جيش المسلمين وجيش تحالف قريش، في مكان يسمى أُحداً، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أفراد الجيش بأن يكونوا في الجبل لحماية ظهر الجيش المسلم من تسلل جيش قريش من خلفهم. وأمرهم بألا يتحركوا من هناك حتى وإن رأوا جيش قريش يبيد جيش المسلمين، وحتى وإن رأوا أن جيش المسلمين انتصر انتصارا ساحقا.
الذي حدث أنه بعد جولة من المعركة كان النصر حليف جيش المسلمين، وهنا نسي ذلك الفيلق المتواجد في الجبل أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بلزوم الجبل مهما حدث حتى وإن رأوا أن جيش المسلمين هو المنتصر. فما كان من جيش قريش وقد رأى خلو الجبل من الجنود، إلا أن التف فيلق منه خلف جيش المسلمين، فكانت ضربة قاصمة لجيش المسلمين.
فكما ترى، فأولئك الجنود من الصحابة لم يتعمدوا عصيان أمر النبي صلى الله عليه وسلم ومخالفة توجيهه العسكري، لكن ماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت فادحة جدا. وهذا هو منطق التاريخ: النية الصافية قد تجر الكثير من الكوارث والمصائب والبلاء والفتن.
فوصية الشيخ الحويني رحمه الله للنساء: لا تكنّ مثل فيلق الرماة، فترفع شعارات حماسية، وتتحركن بنية صافية في دعوى نصرة الإسلام، فتخرجن وتزاحمن الرجال، بدعوى ترك البصمة في الحياة، وبدعوى القيام بواجب الدعوة والنهضة، لأن هذا تترتب عليه نتيجة حتمية وهي إهمال الأسرة، ومع إهمال الأسرة، تسقط الأمم. وهذا من أسباب أن بيوت بعض المشتغلين في مجال الدعوة والحركة الدعوية تكون فضاء مزكوما موبوءا، مفككا متوترا، لأن الزوجين انغمسا في فكرة الدعوة والنهضة وأهملا الأصل وهو البيت والأسرة.
وهذا ما تفعله بعض الملتزمات من هذا الصنف الذي يرفع شعارات هائلة ضخمة، فتراها خرّاجة ولاّجة، تطبّعت على التواجد في الفضاءات الحركية، فتشكل في نفسيتها النفور من القرار في البيت، وصارت تعيش أوهام الدعوة والنهضة، فتكون سبب فتنة لغيرها، وتنتقل من كونها مؤثرة إلى كونها مثيرة، وبسبب كثرة التواجد في الخارج والاحتكاك بشتى النساء والرجال (زملاء الدعوة والنهضة) تتشكل في نفسها طباع الجرأة والحماسة والاندفاع، فإذا تزوجت كانت وبالا على نفسها وعلى زوجها وبيتها.
فاعرفي أيتها المسلمة قدرك، واعرف أصل مهمتك في الحياة، فقد قالت العلماء (مَن ضيّع الأصول حُرم الوصول)، وقالت الفقهاء (مَن اعتنى بالنوافل على حساب الفرائض لم يُقبل منه شيء).
المؤلف: نور الدين قوطيط
اكتب تعليق اذا كان لديك اي اقتراح أو سؤال عن الموضوع