📁 آخر المقالات

هل ورد في كتاب الله ربط بين الصلاة خصوصا وبين كونها شكر لله عز وجل؟

"قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا".

يؤخذ من هذا الحديث أن الصلاة هي من أولى ما يشكر به العبد ربه، ومن المعلوم أن العبادة بالعموم هي من شكر الله عز وجل، لكن هل ورد في كتاب الله ربط بين الصلاة خصوصا وبين كونها شكر لله عز وجل، ولو بإشارة غير مباشرة؟

هل ورد في كتاب الله ربط بين الصلاة خصوصا وبين كونها شكر لله عز وجل؟
هل ورد في كتاب الله ربط بين الصلاة خصوصا وبين كونها شكر لله عز وجل؟

هذه بعض الأدلة من كتاب الله، والتي يُستنبط من مجموعها: أن الصلاة هي بوابة كبرى من بوابات الشكر لله عز وجل. وأن من أولى ما ينشغل به من أراد أن يشكر الله على فضله ورحمته، وآلائه ونعمه، وتوفيقه وهدايته: أن يُحسن صلاته.

(1)

﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴿42﴾ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾

- قال السعدي رحمه الله: "فلما أخبرتها الملائكة باصطفاء الله إياها وتطهيرها، كان في هذا من النعمة العظيمة والمنحة الجسيمة ما يوجب لها القيام بشكرها، فلهذا قالت لها الملائكة: ﴿يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين﴾".

- وقال الرازي في تفسيره: "لَمّا بَيَّنَ تَعالى أنَّها مَخْصُوصَةٌ بِمَزِيدِ المَواهِبِ والعَطايا مِنَ اللَّهِ، أوْجَبَ عَلَيْها مَزِيدَ الطّاعاتِ، شُكْرًا لِتِلْكَ النِّعَمِ السَّنِيَّةِ"

- وقال ابن عثيمين: "فدل هذا على أنه ينبغي للإنسان كلما ازدادت عليه نعم الله أن يزداد على ذلك شكرًا بالقنوت لله والركوع والسجود وسائر العبادات."

(2)

﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾

- قال ابن كثير: "وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ أَيْ: أَقِيمُوا صَلَاتَكُمْ كَمَا أُمِرْتُمْ فَأَتِمُّوا رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَقِيَامَهَا وَقُعُودَهَا وَخُشُوعَهَا وَهُجُودَهَا ﴿كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ أَيْ: مِثْلَ مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ وَهَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ وَعَلَّمَكُمْ مَا يَنْفَعُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَقَابِلُوهُ بِالشُّكْرِ وَالذِّكْرِ".

(3)

﴿إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك﴾

- قال الرازي: "المُرادَ هو الأمْرُ بِالصَّلاةِ، فَإنْ قِيلَ: اللّائِقُ عِنْدَ النِّعْمَةِ الشُّكْرُ، فَلِمَ قالَ: فَصَلِّ ولَمْ يَقُلْ: فاشْكُرْ ؟

الجَوابُ: مِن وُجُوهٍ:

الأوَّلُ: أنَّ الشُّكْرَ عِبارَةٌ عَنِ التَّعْظِيمِ ولَهُ ثَلاثَةُ أرْكانٍ:

أحَدُها: يَتَعَلَّقُ بِالقَلْبِ وهو أنْ يَعْلَمَ أنَّ تِلْكَ النِّعْمَةَ مِنهُ لا مِن غَيْرِهِ.

والثّانِي: بِاللِّسانِ وهو أنْ يَمْدَحَهُ.

والثّالِثُ: بِالعَمَلِ وهو أنْ يَخْدِمَهُ ويَتَواضَعَ لَهُ، والصَّلاةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلى هَذِهِ المَعانِي، وعَلى ما هو أزْيَدُ مِنها فالأمْرُ بِالصَّلاةِ أمْرٌ بِالشُّكْرِ وزِيادَةٌ فَكانَ الأمْرُ بِالصَّلاةِ أحْسَنَ."

----------------

ومعرفة ذلك يجعل المرء يقوم إلى صلاته مدفوعاً بداعي الشكر، لا بداعي القيام بالواجب فحسب، فالشاكر لا يسأل إذا ما كان الشكر واجبا عليه أم لا، ولا عن مقدار الشكر الذي يكفيه القيام به، بل يكون شكره ذاتيا من داخل النفس، يغذيه تذكر النعمة ومطالعة الفضل، لا يتوقف حتى يشعر أنه وفّى من أحسن إليه، فكيف لو كانت تلك النعمة: هي آلاء الله العظمى؟ وكيف لو كان ذلك الشكر: هو عمل العبد القليل المنقوص؟

المؤلف: نقلاً عن قناة غيث الوحي.

Mustafa Alhassan
Mustafa Alhassan
تعليقات