قرأتُ قريبًا هذه الآيات بتأمل، فتفاجأت والله من كثرة الفوائد التربوية والدعوية الهامة لكل مربٍ وداعية..
الأيات هي:
{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ (7) وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ (8) وَهُوَ يَخْشَىٰ (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ (10) }
![]() |
فوائد من الأيات العشر الأولى من سورة عبس |
من الفوائد:
١. في الآيات دليلٌ عظيمٌ على ربانية هذا الدين، وتشوّف الشريعة إلى تزكية النفوس حقا، وأنه يتساوى في ذلك الفقير الضرير مع الغني صاحب الجاه والأتباع، ويُقدَم منهما من كان أقرب للاستجابة، لا من كان أكثر أثرا على الدعوة.
ولو كانت دعوةً بشريةً لتطلّعت إلى انضمام السادات والمؤثرين وقدمتهم على غيرهم.
٢. أن دور النبي ﷺ -والدعاة إلى الله من بعده- لا ينحصر في هداية الكافرين إلى الإسلام فحسب، بل يتعدى ذلك إلى استصلاح المؤمنين وتزكيتهم، بل يكون هذا الدور الأخير مقدما الدور الأول إذا ترجح تعذر نفع الأول.
٣. أن هنالك غايتان من تربية المؤمنين، الأول: تزكيتهم وتعليمهم، والثاني: موعظتهم وتذكيرهم (لعله يزَّكى . أو يذكر)، وهما أشرف الغايات التي يرجو المصلح تحقيقها في مدعويه، ويقدمها على ما يزاحمها.
ولعلّ هذا يرفع من درجة الوعظ والتذكير في هذا الدين، إذ هي من الغايات الكبرى التي قدمها الله على غيرها في سلم أولويات الداعية.
٤. أنّ الداعية ولو كان حريصا على تهيئة الأسباب لملاقاة السادة والمؤثرين، ويرجو هدايتهم كغيرهم، إلا أنّ عليه أن يؤمن بأنّ الهداية من الله وحده، فلا يغير شيئا من الحق تطلعا للنفع المرجو، بل يقدم أمر الله بحذافيره، ويبلغ الحق كاملاً في مثل ذلك المقام، فلو كان مثل هذا الموقف العجيب الذي اجتهد فيه النبي ﷺ في التقديم والتأخير دون أن يبدل شيئا من الرسالة، ومع ذلك عاتبه الله عليه وعلّمه الأولى، فكيف بمن يخالف الدين ويميع حقائقه رجاء تحقيق مصلحةٍ شريفةٍ لكنها ليست مطلوبةً منه ابتداءً، وهي صلاح الخلق، فضلاً عمن يفعل ذلك لتحقيق مصالح أدنى من ذلك!
٥. أنّ على الدعاة والمصلحين أن يتذكروا مراقبة الله لكل حركاتهم وخطراتهم، وأنّ الله -جل ذكره- نبّه النبي ﷺ على حركةٍ خفيةٍ صدرت عنه -وهي العبوس- مع أنّ ذلك الأعمى -رضي الله عنه- لم يرها، فليتذكر المصلح أنّ كل ما يصدر عنه في سبيل الدعوة: أنه على مرأى من الله عز وجل، وأنّ الله يحب أن يراه في هذا الطريق وهو يتحرّى رضاه في أصغر الأشياء وأدقها.
المؤلف: نقلاً عن قناة غيث الوحي.
اكتب تعليق اذا كان لديك اي اقتراح أو سؤال عن الموضوع