الحب بالأفعال لا بالأقوال!!

قال فلان الذي قُدّم على أنه خبير استشارات زوجية: الرجل لا يعبر عن حبه لزوجته بالأقوال بل بالأفعال.

الحب بالأفعال لا بالأقوال!!

قلت: هذه الكلمة لا يعلم إلا الله كم خرّبت من علاقات زوجية، وأفرغتها من معانيها الجميلة! بعد أن دخل هذا الرجل زواجه أو سمعها بعد الزواج، وهو معتقد لها، فصار لاشعوريا يتعامل على أساس وحيها!

ولست أدري من الأحمق الأول الذي تلفظ بها، لكني أدري أن إبليس تلقّفها منه، فأذاعها في الناس، فتعاملوا معها على أنها مُسلّمة لا شك فيها، كأنها آية نزل الوحي بها من السماء!

لقد مرّت علي حالات تتعلق بهذا المعنى: الزوج لا يفرّط في واجباته المنزلية تجاه زوجته، لكن كأنه أقسم الأيمان المغلظة ألا تسمع منه كلمة حلوة، أو معنى شاعريا، أو أن يعبّر لها عن مشاعرها تجاهها!

بل بعض هذه الحالات يكون الزوج دكتورا أكاديميا في تخصص شرعي.. إي والله، كما قرأتَ، بعض هؤلاء الرجال أساتذة شرعيون، تكاد الزوجة تتوسل إليه أن يسمعها كلمة رقيقة، لكنه يؤكد لها أن الحب بالأفعال لا الأقوال!

للتذكير فقط، هناك مئات القصائد في الحب والغزل والغرام والشوق والمشاعر والأحاسيس، حتى إن هناك دواوين خاصة بذلك، ككتاب "الزهرة لأبي داود الظاهري، المتوفى حوالي 270 هج" وكتاب "مصارع العشاق لجعفر البغدادي المتوفى 500 هج". هذه المئات بل الآلاف من قصائد الحب والغرام والغزل، من تكلم بها؟ من نطق بها؟ من خلّدها في العالمين؟ إنهم رجال، فحول، عشاق.

دعك من هذا، وعد إلى السيرة، وسترى ما يمكن القول عنه ب "رومانسيات النبي صلى الله عليه وسلم"، وهي نماذج تصوّر تلك النفس الرقيقة، والروح الشفيفة، كما تعكس ذلك الوشيجة العذبة بينه صلى الله عليه وسلم وبين عائشة رضي الله عنه، حتى إنها كانت إذا شربت من كأس، تتبع هو صلى الله عليه وسلم موضع شربها ليشرب منه.

والواقع أن هذا الرجل الذي يقول "حب الرجل بالأفعال لا الأقوال" إنما يخفي ترسخ هذه الفكرة في نفسه حتى كأنها وحي، وأحيانا يكون قد نشأ في بيت لم يكن فيه بين والديه الحب والحنان والرقة والتعبير عن المشاعر، فلهذا نشأ ومشاعره مخنوقة لا يسمح لها بالبروز لأن ذلك من "العيب والعار الذي لا يليق بالرجل"..

المهم أنك تسمع الرجل يقول لك ولا يمل من تكرار هذا القول: المرأة كائن عاطفي بطبعها. طيب، أشبع في زوجتك العاطفة؟ يجيب: كلا، لن أفعل، فالحب بالأفعال لا بالأقوال. وهذه المطالب تليق بالمراهقين والمراهقات الذين يقرؤون الروايات ويشاهدون المسلسلات الغرامية.

المؤلف: نور الدين قوطيط