سمعت بأن الملحد المغربي الذي نفق قبل يومين إلى جهنم الأبدية، كان أولاً منتميا إلى جماعة العدل والإحسان المغربية، ثم وقعت له مشاكل ومرض أحد أبنائه، وتيسر له الذهاب إلى عمرة، وهناك دعا الله (إن كان موجودا) أن يشفي ولده ويفرج عنه مشاكله، لكن لم يتحقق له شيء من ذلك، فكان ذلك بداية إعلان إلحاده وردته عن الإسلام، ثم انطلق (كما هي عادة الملاحدة) يبشّر بالإلحاد، ويروج للردة.
![]() |
الدعاء ليس يعني أنت تطلب والرب ينفذ |
قلت:
هذه القصة يتقاسم معناها كثير من الملاحدة (كنت متدينا، كانت عندي مشاكل، دعوت اللهَ فلم أر شيئا تحقق، فهذا دليل على عدم وجود الله). فمن أين أُتي هؤلاء الجهّال؟؟
بادئ ذي بدء، لقد قلت في منشورات سابقة بأننا في هذا العصر ليس بين المتدين الجاهل والإلحاد إلا شعرة رقيقة، بسبب كثرة الشبهات التي تموج بها مواقع التواصل، المكتوبة والمرئية. والمتدين الجاهل بأصول الإسلام، وقواعد التفكير، ومنهجية الفهم السليم، إذا لم يعصمه الله تعالى سقط. ولهذا السبب وغيره قالت العلماء بضرورة أن يكتسب المسلم من العلم ما لابد له منه، لأن الله يُعبد بالعلم لا بالجهل، ولكي يعتصم من الشبهات والمغالطات.
نعود إلى أصل المنشور: لقد أُتي هؤلاء الشباب الجهال من جهات متعددة، أكتفي هنا بجهة الدعاء.
فأقول: الدعاء ليس يعني أنت تطلب والرب ينفذ، كأن لك حقوقا عليه سبحانه أو ديونا وهو يجب عليه الخضوع لرغباتك وأهوائك. وإنما الدعاء _عندنا معشر المسلمين_ عبادة من العبادات يؤجر عليها المسلم، ولهذا فامتناع المسلم عند الدعاء نهائيا كبيرة من الكبائر، لأنه يحمل معنى الاستكبار على الرب سبحانه، وإساءة الظن به. ومن هنا، سواء تحقق الدعاء أو لم يتحقق فالمسلم مأجور على دعائه مهما كان خالصا صادقا، ولا يحمل شيئا يعارض الشرع أو سنن الله في الحياة.
ثم، إن الله سبحانه قد يمنع عبده الاستجابة رحمة به، وشفقة عليه، ورفقا به، إما لأنه يعلم أنه لو استجاب له فإنه سيكون فتنة على هذا العبد ولو بعد حين من الزمن، والفتنة هنا متعددة الصور والمظاهر. وإما لأنه سبحانه يعلم أنه لو استجاب له فإن الأجر والثواب ينقص لهذا العبد يوم القيامة، واللهُ يحب لعبده الآخرة أكثر من الدنيا، وينظر له ما يكون سببا أعظم لسعادته الأبدية في الجنة، لأن الدنيا زائلة فانية. وإما لأنه سبحانه يمنع الاستجابة عقوبة لهذا العبد على ذنب مضى، فيكون في ذلك كفارة له، حتى إذا جاءه يوم القيامة كان هذا الذنب أو الذنوب مغفورة لا يحاسَب عليه.
فهذه بعض الإشارات التي تتعلق بالدعاء كما هو في التصور الإسلامي الصحيح.
أما الجاهل فهو يمنّ على ربه ب"تدينه والتزامه"، ويرى لنفسه من الحقوق على ربه ما يجب عليه سبحانه أن يكون رهن إشارته، كلما طلب أُعطي، وكلما سأل استُجيب له. وإلا فإنه ينخلع عن هذا التدين والالتزام. وهذا ما يعني أن هذا الجاهل يدخل في قوله سبحانه: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفࣲۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَیۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِینُ﴾ [الحج ١١]
أما نحن فنقول: اللهم إننا ندعوك كما أمرتنا، ونسألك كما فرضت علينا، ونحن نجهل ما يصلح لنا في عاقبة أمرنا ومآل مصيرنا، فأعطنا ما تعلم أنه يصلح لنا، واستجب لنا ما تعلم أنه يكون قوة على صلاحنا واستقامتنا، وما رزقتنا من شيء نحبه فاجعله قوة لنا فيما تحب، وما زويت عنا من شيء نحبه فاجعله لنا فراغا فيما تحب، لا إله إلا أنت، أنت تعلم ولا نعلم، وتقدر ولا نقدر، وأنت علاّم الغيوب، سبحانك لك الملك والملكوت، والعزة والجبروت، والحي القيوم الفعّال لما يريد، لا يعجزه شيء، ولا يمنعه شيء.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبارك
المؤلف: نور الدين قوطيط
اكتب تعليق اذا كان لديك اي اقتراح أو سؤال عن الموضوع