النقص في الأعمال الإسلامية .. (يراد بالكلمة التأصيل العام لا التنزيل الخاص).
لا يخرج العمل الإسلامي عن سنة النقص البشري، ففيه -ولا بد- حظ من النقص، وواهم من ظن الكمال في أي عمل، إلا أن هذا النقص يتخذ أحوالاً وصوراً مختلفة، لا بد من التفريق بينها وعدم النظر إليها بمنظار واحد، حتى يستقيم بعدئذٍ التفاعل معها، وتصح الأحكام الموقعة عليها..
![]() |
النقص في الأعمال الإسلامية |
١. النقص الواقع لتقصير العامل
أيّ، بعدم امتثاله للواجب الشرعي والمراد الإلهي إما لجهل أو لهوى، ومثاله ما وقع من الرماة رضي الله عنهم يوم أُحد، أو كتخلف كعب وأصحابه رضي الله عنهم يوم تبوك. ومثل هذا النقص يقوّم بالنصيحة والمعاونة، وكلما ارتفع مكان العامل وازاداد أثره كانت النصيحة له آكد وتلمس الحكمة في تقديمها أوجب. ومن الأخطاء التي تقع من الناصح في هذه الحال، الجهر بالنصيحة والإنكار في غير موطن الجهر، والشدة والغلظة في تقديم النصيحة.
أما الأخطاء التي يقع بها المنصوح فمنها تفسير حدة الناصح باعتبارها طعناً وتجريحاً دون اعتبار اختلاف طبائع الناس وإطلاقاتهم، فمن الناس من هو حاد بطبعه فينعكس ذلك على نقده الصادق بشدة العبارة وسعة الإطلاق.
ومنها التأول والخلط بين أنواع النقص، كأن يظن أن النقص المتعلق بالتقصير نقص راجع إلى عدم القدرة، أو إلى غير ذلك من أنواع النقص الآتي بيانها، ومما يحفز وقوع التأول وجود العامل تحت ظرف ضاغط ككثرة طعون الأعداء.
٢. النقص الواقع لعدم قدرة العامل
أي، لعدم وجود ما يسد هذا النقص بعد الصدق في بذل السبب الشرعي، ومثاله ما وقع يوم بدر من نقص في العدة والعتاد وعدم تهيؤ للقاء المشركين، ومثل هذا النقص يجبره الله سبحانه ويكمله، ويفتح منه باباً إلى النصر.
ومن الأخطاء التي يقع به الناصح كثرة اللوم والعتب والانتقاد في مساحة عدم القدرة، لما في ذلك من إيغار للصدور وتوهين للطاقات وإسقاط للأعمال، فلوم العاجز حمق وجناية، ولذا؛ يجب على الناصح تحقيق قدر من المعرفة بمساحات العجز والقدرة في العمل قبل المبادرة بتوجيه النصح وقبل اللوم والعتب. ومن الأخطاء التي يقع بها العامل عدم تقدير المرحلة الإصلاحية وعدم الوعي بقدرة العمل، وبالتالي تقحم مساحات إصلاحية وتجاوز مراحل دون تقدير مناسب.
٣. النقص اللازم
أي، ما هو من طبيعة العمل ولوازمه نتيجة للظرف التاريخي والإصلاحي الذي تقوم فيه الأعمال، والأرض المشوهة المضطربة التي تنبت عليها، فهذا النقص كالعرض الجانبي للدواء، ولا بد منه لاستتمام العلاج، ومثاله آفة التعصب التي تصيب الجماعات والأعمال الكبيرة بعد مضي الزمان عليها، فالواقع اليوم تغيب عنه الخلافة والدولة الإسلامية، ولا عودة إلى ذلك إلا عبر قنطرة الجماعات، ومن آفات الجماعات التعصب، فهو عرض لازم للعمل الجماعي الموصل إلى ما يرجى من قيام الدولة الإسلامية، إلا أن هذا لا ينفي عن الأعمال واجب مقاومة هذه الآفة، والسعي في تأخيرها.
والخطأ الذي يقع في هذه الحال من الناصح والمنصوح على السواء، عدم الوعي بضرورة العلاج المركب، فالحل في النقص اللازم يكون بتبني خطابين:
• خطاب يبين أثر العمل وحسناته،
• وآخر يبين نقصه ويصوبه مع حفظ حقه،
فالخطاب الأول يحفظ مصلحة استمرار العمل، والآخر يحفظ نفس التصورات الإسلامية من التبدل والانحراف، فيكون الخطابان متوازيان متكاملان يوصل كلٌ منهما رسالةً، وإن بدا للناظر اختلافهما، ووعي كل من الناصح والعامل بهذا يحول دون تحول ثنائية الخطاب إلى عداوة وبغضاء وتشاحن وتبادل للاتهامات وإساءة للظنون.
٤. النقص المتوهم
أي، الذي يظنه من هو خارج ميدان العمل نقصاً، وليس هو في حقيقة الأمر كذلك، ومن أسباب هذا التوهم وجود مفارقة بين التنظير والتطبيق لدى كثير من الخائضين في أبواب الإصلاح، فالخطأ الذي يقع به الناصح في هذه الحال أنه أصدر أحكامه بناءً على مرجعية تنظيرية لا تمت للواقع بصلة، فمن لم يكن له حظ من التنظير والتطبيق جميعاً فليكن متابعاً صامتاً وليحفظ لسانه عن النقد والعتب. أما العامل فهذا حظه من الأذى والبلاء، فليصبر وليحتسب وليحط نفسه ببطانة صالحة ناصحة تعينه وتصلحه.
ختاماً، غالباً ما توجد الأحوال الأربعة السابقة في كل عمل بنسب متفاوتة، وإنما الشأن في حسن تشخيص النقص الموجود، ومن ثم في طريقة التعاطي معه وفق طبيعته وحالته، وهذا القدر من التفكيك -وأبعد منه- لازم في مثل هذه الأزمنة المركبة التي تطغى عليها ردود الفعل البسيطة، والله الهادي والمسدد وعليه التكلان.
المؤلف: عبدالله الخطيب
اكتب تعليق اذا كان لديك اي اقتراح أو سؤال عن الموضوع