إن المسؤولية اليوم على المرأة المسلمة أعظم وأكبر من أي وقتٍ مضى، وإن وجودها في ثغورها -الملائمة لها- أصبح ضرورة لابد مُنها..
![]() |
المسؤولية اليوم على المرأة المسلمة أعظم وأكبر من أي وقت مضى |
وقد تعرضت الأمة المُسلمة لتحييد مُتعمد لدور المرأة الفاعل، وإبعاد لها عن ثغورها الأساسية، وتشويه لأهدافها الكُبرى وغاياتها العُظمى، فكان لهذا أثر عظيم في الضعف والتفكك الذي أصاب المجتمع المُسلم، إذ لا يُمكن أن تقوم أُمة حُيدت أحد أهم أركانها الأساسية التي تقوم عليها.
وأعرض هُنا لواحد من أهم تلك الثغور وأشدها خطرًا، والذي كان له نصيب كبير من التشويه والحطِّ والانتقاص ممن تقوم عليه، أو تكتفي به، وهو ثغر تربية الأبناء ورعاية شؤون البيت والأسرة. إن الخلل الذي أصاب هذا الثغر ألقى بظلاله على بقية ثغور الإسلام، إذ الأبناء هم اللبنة الأولى في بناء المُجتمع المُسلم والأُمة المُسلمة.
وبسبب ارتفاع خطاب الاستحقاقية الذي تنادي به المرأة في هذا الزمان، ورفع شعار الضحية والمظلومية، والمُسابقة في إثبات الذات وتحقيق الهوية، وطغيان المادية، وغلبة الحياة الدُنيا على النفوس، قصّرت كثير من نساء المسلمين في هذا الثغر العظيم، وزهدت فيه الكثيرات، بل ورأت أُخريات أن هذا ليس من ضمن إطار مسؤوليتها أساسًا، وإنما هو عبءٌ ألقاه الرجل والمجتمع على كاهلها! وهذه كارثة كبُرى، ومصيبة عُظمى.
ونتيجة لذلك -ولأسباب أخرى- خرجت لنا أجيال من أبناء المسلمين لا يعرفون للحياة معنى ولا غاية! لا همّ لهم إلا تحصيل الملذات، وتضييع الأوقات، والجري خلف التفاهات.
ومع اندلاع شرارة طوفان الأقصى، وما خلفته الحرب من آثار مدمرة إلى اليوم، ومع مشهد بكاء الأطفال المُتكرر على مدار الساعة، وفقدهم لكل شيءٍ؛ أبٍ وأمٍ وعائلةٍ وبيتٍ ومأوى وكل شيءٍ، ثم رغم كل ذلك وفي وسط المصاب العظيم ينطق الطفل، فتسمع كلمات الثبات والإيمان والصبر والاحتساب، واستحضار لحقيقة الدنيا، ومعرفة عميقة بالله والدار الآخرة، ما تقفُّ معه مندهشًا مُتعجبًا من التربية التي تلقوها..!
ومع تكرار هذا المشهد كل يوم منذ بداية الحرب، يُلّح علي سؤال لا يُفارقني: ماذا لو أصاب أطفالنا اليوم مثل ما أصابهم، بماذا سينطقون؟ وما الذي سيثبتُهم؟
وهُنا يتجه السؤال إلى نساء المسلمين، إلى نساء أمّة مُحمد: ماذا لو أصاب أبناءك ما أصاب أبناء غزة، هل تنفعهم التربية التي قدمتِها لهم؟ هل تُثبّتُهم المعاني التي غرستيها فيهم؟ هل تنفعهم الغايات والأهداف التي رسمتيها لهم؟ هل ينفعهم اهتمامك وحرصك الشديد ورعايتك لشؤونهم المادية والدُنيوية على حساب الزُهد والتفريط في أمر دينهم وفي الحفاظ على هويتهم؟
ويتفرع عن ذلك سؤال آخر: بماذا ستجيببن الله تبارك وتعالى حين تقفين أمامه يسأَلكِ ليس بينكِ وبينه ترجُمان عن الرعية التي استرعاكِ عليهم؟
نعم هم رعيتُكِ رضيتِ بذلك أو أبيتِ، كذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ"، وإنّ أوّل وأولّى ما يدخُل تحت هذه المسؤولية وهذا الثغر: هو تعليمهم أمور دينهم، وتعليمهم عن الله واليوم الآخر، وتبصيرهم بهدي النبيﷺ وسنته، وسنة صحابته وهديهم، ثمّ يأتي بعد ذلك غيرها من الأمور الأُخرى.
أمّا ما نراه اليوم من حرص الأمّ المُسلمة على إيقاظ ولدها للذهاب للمدرسة والنادي، وحرصها على أن يُحصّل أعلى النتائج في المواد الدراسية وشدة تغيظها عليه إن قصّر في ذلك، مع عدم مُبالاتها باستيقاظه لصلاة الفجر، وعدم اهتمامها بتعلمّه أمور دينه وعقيدته، أو بذلها في ذلك هامش الوقت والجهد، فهذا نذير شؤم وشرٍّ إن لم نغيّر فيه شيئًا، وسنُسأل أمام الله عن ذلك، فيا بؤس جوابنا حينها.
فهذا واحد من ثغور المرأة المُسلمة، وواحد من مسؤولياتها، التي تجب عليها، وغيره ثغور أُخرى كثيرة تنتظرها، وكلُّ ذلك يبدأ بأنّ تُقر المُسلمة بمبدأ العبودية لله تبارك وتعالى، وتنطلق منه، وترجع لوحيه وشريعته تتلقى منها الأوامر والنواهي، وتصحح على ضوئها المعايير وتضبط الأفهام وترتب الأولويات، وترسم غاياتها وأهدافها بناءً عليها، وتعطي الأشياء حجمها ومركزيتها وثقلها كما أعطتها الشريعة، فإذا هي فعلت ذلك انفتحت لها أبواب الخير ومجالات العطاء والبذل والمُسابقة في الميدان الحقيقي، فبذلت غاية عمرها فيما يستحق أن تُفنى فيه الأعمار والأوقات.
الكاتب: نقلا عن قناة مدونة
اكتب تعليق اذا كان لديك اي اقتراح أو سؤال عن الموضوع