📁 آخر المقالات

السعي للكمال طمع في محال

قاعدة: <السعي للكمال طمع في محال>.

السعي للكمال طمع في محال
السعي للكمال طمع في محال

هناك بعض الناس تكون لديهم رغبة شديدة في الكمال في شؤونهم.. يفكرون في كل شيء، يدققون في كل شيء، يترددون في كل شيء. هنا يعتقد صاحب هذه الشخصية أنه يحسن صنعا، لكنه لا يدري أن "هوس" الكمال والمثالية مدمر له، وفتنة عليه، فهو يستنزف طاقته النفسية والذهنية، كما أنه يحرم من التقدم في سبيل الإنجاز.

يريد أن يتزوج يضع مواصفات تليق بالحور العين في الجنة، فيظل الزواج مجرد أمنية بعيدة المنال..

يفكر في تأسيس أسرة فلا يتقدم لأنه يخطط للمستقبل كأنه بيده مفاتيح المستقبل، فتظل الأسرة حلما شفيفا لا يتجاوز عتبة الأحلام.. 

لا يكتب بحثا أو كتابا لأنه يريد أولا أن يقرأ كل شيء حول الموضوع وخارج الموضوع فيظل بحثه أو كتابه مجرد فكرة لا تخرج أبدا..

يتردد في بدء تجارته لأنه لابد أن يتوفر أولا على "مائة ألف أو خمسمائة ألف دولار"، فيظل المشروع مشروعا ذهنيا لا يوجد في الخارج..

وهكذا في كل شيء، وقد يصل الأمر إلى أن يصير "وسوسة" في أبسط نشاطات الحياة اليومية: النظافة والترتيب، ومراعاة كلام الناس.. إلخ، ما يغفل عنه صاحب هذه الشخصية الواهمة هو أنه بشر، وطبيعة البشر هي المحدودية والقصور، فهذا وصف ذاتي، والأوصاف الذاتية لا تتغير أبدا في أي زمان أو مكان.

وكذلك يغفل عن كون الكمال فكرة مطلقة، والأفكار المطلقة لا تتحقق في الواقع إلا بشكل جزئي، فلو عاش مليون عام دائما سيكون هناك مستوى آخر من الكمال. وأيضا يغفل عن أن المطلوب من الإنسان ليس أن يدرك الكمال بل أن يترقى في مدارج الكمال، فالله سبحانه يحب العبد الذي يتقن عمله، وهو أن يبذل العبد وسعه في العمل حسب الاستطاعة والامكانيات، ثم لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها.

وأيضا يغفل عن أن الكمال لا يتحقق إلا بممارسة فعل الكمال أي بالسير في طريقه، فكلما تقدمت في هذا الطريق تكون قد حققت الكمال الممكن بالنسبة لك في هذه المرحلة، وهذا هو نفسه سيفتح لك آفاقا أخرى من آفاق الكمال، وهكذا دواليك. وأيضا يغفل عن أن الخوف من القصور والنقص نفسه فشل وحاجز دون التقدم. وهذا ما يمنع الإنسان من اكتشاف مجالات أوسع وأعلى في الشأن الذي يريد "زواج، عمل، تأليف.. إلخ"، وهذا بدوره يغرس في النفس الإحباط والمعاناة الصامتة.

تخطئ، عادي فكلنا أخطأ وسيخطئ.. تفشل، عادي فكلنا فشل وسيفشل.. لولا الأخطاء والفشل لما كنا على ما نحن عليه الآن. وما يحررك من "فتنة الكمال" هو أن تفهم أنك بهذا إنما تسعى لإرضاء الخلق وليس الخالق، أي إنك في حقيقة الأمر تحب التميز، والتفرد، وأن يشار إليك بالبنان، وهذا يعني كمون العجب والكبر والرياء والسمعة في باطنك. ولهذا فالذي يحررك من هذا بالإضافة لما ذكرنا هو:

الخلق لن يرضيهم شيء عنك، بل دائما ستجد الناس معك: هذا يراك بعين التعظيم، وهذا يراك بعين الاستخفاف، وهذا كأنه لا يراك. فلهذا فإن رضا الناس غاية لا تدرك ولا تُطلب.

الكاتب: نورالدين قوطيط

Mustafa Alhassan
Mustafa Alhassan
تعليقات