📁 آخر المقالات

لماذا يقدس الإنسان بعض الشخصيات؟

عبر التاريخ؛ وفي كل المجتمعات، قديماً وحديثاً، دائماً كان هناك أشخاص يقدسون "الشيخ باسم الدين"، وآخرون يقدسون "الفيلسوف باسم العقل".

لماذا يقدس الإنسان بعض الشخصيات؟
لماذا يقدس الإنسان بعض الشخصيات؟

هذا الصنف من الناس يعتبر كلام "الشيخ/الفيلسوف" فصيل التفرقة بين الصواب والخطأ، والفرقان بين الحق والباطل، والحقيقة والوهم. إذن نحن أمام موقف يتجاوز بـ "الشيخ/الفيلسوف" مستوى البشر العاديين، الذين يعتريهم الجهل، الوهم، القصور، الخطأ، إلى مستوى "النبي المعصوم". لقد رأينا هذا مثلا في الصوفية، ورأيناه في المداخلة، ورأيناه في عشاق الفلسفة الغربية، وغير هؤلاء، سواء في السياق الإسلامي أو السياق الأجنبي. إذن؛ لماذا يقدس الإنسان بعض الشخصيات؟

بادئ ذي بدء؛ ينبغي القول بأن التقديس نزعة في النفس الإنسانية، فهذا التقديس والترميز لـ "الشيخ/الفيلسوف" يحقق مجموعة من الاحتياجات:

1. البُعد النفسي. يقوم هذا الصنف من الناس بتقديس الآخر "الشيخ/الفيلسوف" لإشباع غريزة الكمال، فالإنسان بطبعه يبحث عن الكمال، وعندما يعجز عن تحقيقه في نفسه، فإنه يبحث عنه في الآخر. وهذا هو سر سطوة المشاهير على الناس.

2. البُعد المعرفي. البحث عن الحق والحقيقة عملية لها ثمن، مرهقة، تتطلب الصبر والزمن، ولأن عامة الناس لا يكونون مستعدين لذلك، فهو يفضلون اختصار الطريق، بالارتباط بشخص مقدس "الشيخ/الفيلسوف" ليقدم لها الأجوبة، ويعفيهم من تعب البحث.

3. البُعد الاجتماعي. كل إنسان لابد له من هوية، هذه الهوية يمنحه شعور الانتماء والاعتراف والقيمة الوجودية. لهذا يجد هذا الصنف من الناس في الشخص المقدَّس سلطة التعبير عن الهوية، ورمزية المرجعية المحققة للانتماء والاعتراف والقيمة.

4. البُعد الأخلاقي. الإنسان كائن أخلاقي بطبعه، ففطرته التي خلقه الله تعالى عليها "مبرمجة" على كليات الأخلاق، تشكل ضابط الصواب والخطأ في ضميره. ولهذا يلجأ هذا الصنف إلى تقديس "الشيخ/الفيلسوف" لكي يعفي نفسه من المسؤولية الأخلاقية. [1]

5. البُعد الميتافزيقي. الإنسان يواجه أسئلة وجودية لا يمكنه تجاوزها "الموت، القيم، معنى الحياة.. إلخ"، فهو لهذا يحتاج إلى مرجعية عليا تشكّل له إطار الأجوبة. لهذا يلجأ هؤلاء إلى تقديس الشخص ليكون بالنسبة لهم هذه المرجعية المعيارية.

[1] (انظر مثلا الإنسان المدخلي كيف لا يبالي بعزة، لأن شيوخ المداخلة رفعوا عنه شعور التوتر والذنب والقلق الأخلاقي)

بسبب هذا؛ فالشيخ/الفيلسوف المقدس حاجة مهمة للدولة، لأنه يشكّل لها مبررا لمهاجمة المخالفين، باعتبار أن نقد الشيخ/الفيلسوف/المناضل يعني نقد هوية الدولة، والمساس به مساس بالأساس الذي تقوم عليه الدولة. انظر مثلا كيف أن الشيخ المدخلي/الصوفي له مكانة رفيعة جدا في الدولة العلمانية العربية المعاصرة، وانظر مثلا كيف أن الغرب يعتبر مهاجمة فلاسفته المؤسسين لوعيه المعاصر بمثابة مهاجمة "القيم الكونية، والقيم الإنسانية" لأنهم بالنسبة لهم "عقلي كلي" هم المعيار والمرجعية.

إذا جئنا إلى سؤال: كيف حرر الإسلام الإنسان المسلم من تقديس الأشخاص؟

يمكن تلخيص ذلك في معالم هادية:

1. قاعدة: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"،

2. قاعدة: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"،

3. قاعدة: "كلٌّ يؤخذ من كلامه ويُرد"،

4. قاعدة: "لا طاعة مطلقة إلا لله ولرسوله"،

5. قاعدة: "لا أحد معصوم من الخطأ والزلل"،

6. قاعدة: "كل قول يحاكَم إلى مرجعية الوحي".

لهذا فرّق المنهج الإسلامي بين "تقدير العالِم" وبين "تقديس العالِم"، فالشيخ/العالم يُحترم ويقدّر لا لذاته، بل لما معه من العلم. لهذا فهو لا يقدّس ولا يكون مرجعية عليا، ولا إطارا معياريا للصواب والخطأ، والحق والباطل، بل كلامه هو نفسه إن وافق القرآن والسنة فكلامه مقبول، وإلا فكلامه مردود.

بهذا، يبني المنهج الإسلامي شخصية المسلم بناء واعيا، مستنيرا، نقديا، فيتلخص بذلك من الوقوع في "الشرك" النفسي والمعرفي من خلال تقديس "الشيخ/العالم"، وبهذا يحقق معنى قول الله تعالى "ادخلوا في السلم كافة"، نفسيا ومعرفيا وسلوكيا وقيميا، لأن هذا الدخول الشامل هو الذي يحقق الغاية من خلق العبد في الدنيا، أي العبودية لله وحده لا شريك له.

والله الموفق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبارك

الكاتب: نور الدين قوطيط

Mustafa Alhassan
Mustafa Alhassan
تعليقات