بسم الله الرحمن الرحيم، في المقال السابق قمتُ بتلخيص شرح الشيخ أحمد السيد للركن الثالث والرابع والخامس من أركان الإيمان، في هذا المقال سوف الخص شرح الشيخ للركن السادس بالأضافة الى شرح القسم الثالث (الاخير) من الكتاب.
كتاب البناء العقدي للجيل الصاعد |
الركن السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره
هل يُقدر الله ما هو شر؟
يقول الشيخ أحمد السيد: "أنه قد يكون شراً بالنسبة لمن وقع عليه
القدر لا أنه شرّ خالص من كل الجهات، فللّه تعالى الحكمة البالغة، وهو يعلم ما لا
نعلم، فقد يُقدّر شيئاً ظاهره الشر ولكن ينبني عليه خير كثير".
من الأمثلة على ما سبق هو ما يحصل في غزة فقد يظن الظان أن ما يحصل هو
شر محض وليس فيه خير لكن لو نظرت لما حصل بعد السابع من أكتوبر فسوف تجد أن في
ظاهر الأمر شر لكن في باطنهُ خير كثير وأذكر لك بعضاً من هذا الخير:
1. عودة قضية فلسطين للواجهه بعد أن كادت تُنسى.
2. نزول ابتلاء شديد على أهل غزة الذي سيكون بإذن
الله سبباً في تكفير سيئاتهم، ورفع درجاتهم في الجنة بأذن الله.
3. ظهور الكثير من المنافقين يمكن مشاهدة حلقة
بعنوان (طوفان المنافقين) وهي حلقة بودكاست مدتها ساعة تكلم
فيها الدكتور أيمن البلوي عن طو.فان الأق.صى الذي تسبب في حدوث طو.فان المنافقين.
4. ازدياد عدد الذين دخلوا في الإسلام خلال الفترة ما
بعد السابع من اكتوبر بنسبة 400% حسب (Global Eye News).
5. ازدياد الوعي بين الشباب بخصوص أعداء الإسلام
الحقيقين.
وغيرها الكثير والكثير من الأمور التي نعرف بعضها وبعضها لا يعلمها
إلا الله، اسألُ الله أن ينصر إخواننا في غزة ويثبتهم ويتقبل موتاهم في الشهداء.
كيف نتعامل مع الأقدار التي تؤلمنا؟
هناك مقامان أحدهما واجب والآخر اختلف العلماء في وجوبه:
الأول: الصبر (واجب) أي الصبر على ألم وعدم السخط على
قضاء الله وقدره وعدم قول أو فعل أمور لا ترضي الله عز وجل كاللطم وشق الجيوب
وغيره من الأمور.
الثاني: الرضا
(مختلف في وجوبه لكنهُ مقام عظيم) يقول الشيخ: "هو مبني على تفويض الأمر لله،
والتسليم له بأن ما يُقدّره فهو خير، فتجد الراضي منشرح الصدر، مطمئنا مسلّماً،
وهو صابر في نفس الوقت".
ما ثمرات الإيمان بالقدر؟
1. الإيمان بالقدر هو أكبر معين على الصبر، لأن من
يؤمن بأن هذه الأقدار التي تحدث إنما تحدث بتقدير من الله الحكيم فسوف يصبر ويرضى
ويطمئن.
2. إذا صبر المسلم ورضى وسلم امرهُ إلى الله، فسوف
يُنزل الله عليه السكينة والطمأنينة.
3. حصول المسلم على الأجر والثواب تأمل معي هذا
الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ
أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ
سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ
خَيْرًا له) [صحيح مسلم 2999].
4. يقول الشيخ: "إذا تحققت الآثار السابقة من
اليقين والرضا والطمأنينة فإن المسلم ولو حَزن، أو تألم لمصيبة فإنه لا يفقد
صوابه، ولا يطيش، أو يرتكب حماقات بسبب المصيبة، فكثير من الناس إذا خسروا شيئاً
دنيويا مهما ولم يكن لديهم إيمان واحتساب، فإنهم يرتكبون ما لا تُحمد عاقبته إما
من الضرب أو التكسير أو الإتلاف أو حتى القتل أو الانتحار".
ما هي أنواع كتابة الأقدار؟
ذكر الشيخ ثلاث انواع وانا انقلها لك هنا بشكل مختصر:
1. الكتابة الشاملة لمقادير الخلائق، وهي السابقة
لخلق السماوات والأرض، وهي في اللوح المحفوظ، قال تعالى: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ) [الأنعام: 38] وقد كتب
الله سبحانه مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين الف سنة كما قال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ
يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ
علَى المَاءِ) [صحيح مسلم 2653].
2. كتابة الأقدار المتعلقة بكل سنة وعام وفرقُها،
كما قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)
[الدخان: 4] أي في ليلة القدر.
3. كتابة أقدار الجنين في بطن أمه كما في الحديث قال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول: يا رب
نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه، قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم
سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه) [البخاري 318].
هل يصح لأحد أن يحتج على ذنوبه بالقدر؟
يقول الشيخ: "لا يصح لأحد أن يبرر انحرافه ومعصيته بالقدر، لأن الإنسان
له إرادة حقيقية يستطيع الاختيار بها كما قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ
ۖ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [الشورى: 20]".
ما هي الأمور المعينة على الصبر والرضا بالقدر؟
1. تذكر الأجر الكبير الذي سيحصل عليه الإنسان بسبب
الصبر كما قال الله سبحانه: (إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ
أجْرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ) [الزمر: 10] وقولهُ تعالى: (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
[هود: 115].
2. التذكر بأن الله يُحب الصابرين كما قال الله
سبحانه وتعالى: (وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ)
[آل عمران: 146].
3. اليقين التام بأن ما يُقدرهُ الله هو الخير لأنهُ
هو العليم الحكيم الخبير الذي يعلم السر وما أخفى، يقول الله سبحانهُ وتعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
[البقرة: 216].
4. على الإنسان أن يدرك أن السخط على القدر لا يفيد بل أن الذي يسخط على القدر عند المصيبة تصبح مصيبتهُ مصيبتان (المصيبة التي اصابتهُ، ومصيبة سخطهُ على قضاء الله وقدره).
ملخص القسم الثالث (ما يضاد الإيمان ويناقضه)
لماذا على الإنسان أن يعرف الأبواب التي تضاد إيمانه؟
يذكر الشيخ سببين مهمين وهما:
1. ليحذرها ويتجنبها، فإن من لا يعرف الشر يقع فيه.
2. ليزداد بصيرة في معالم الإيمان وحدوده.
يذكر الشيخ بعض الأبواب التي تضاد الإيمان وهي (الكفر والشرك والنفاق)
ويقول: "حين نمر على ذكر الشرك والكفر والنفاق ونحن نتلو كتاب الله أو نقرأ
سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فإننا نتخيل أشياء في غاية البعد عنا، ولا نظن أنها
يمكن أن تهددنا في يوم من الأيام، وربما يكون ذلك لجهلنا بكثير من التفاصيل
المتعلقة بهذه الأسماء الشرعية".
الكفر والشرك والنفاق ليس على درجة واحدة وإنما فيه درجات فمثلاً هناك
الكفر الأكبر والكفر الأصغر وهكذا بالنسبة للشرك والنفاق.
لذلك يشير الشيخ إلى أن المسلمين قد يقعون في في درجة الأصغر من الكفر
أو الشرك أو النفاق والذي قد يقود للأكبر والعياذُ بالله، يقول الشيخ:
"فالرياء مثلاً شرك أصغر وكثيراً ما يقع فيه أناس من المسلمين، وإخلاف الوعد
والكذب في الحديث وخيانة الأمانة من صفات المنافقين، وهي نفاق أصغر وكثيراً ما يقع
فيها أناس من المسلمين، ولذلك فإن الصحابة لصدق إيمانهم وتقواهم كانوا يخافون
النفاق على أنفسهم مع كل ما لديهم من صلاح وعمل، وتجد أحدنا اليوم آمنا وكأنه قد
أخذ مفاتيح الجنة بيديه".
تكلم الشيخ في كتابه عن الكفر الأكبر والأصغر والفرق بينهما وأنواعهما
وكذلك الأمر بالنسبة للشرك الأكبر والأصغر ونفس الأمر بالنسبة للنفاق الأصغر
والأكبر وانا لم اذكر شيء عن ما سبق لأني إذا اختصرتهم قد يتم فهمهم بشكل خاطئ
لذلك اوصيك بالعودة للكتاب وقراءة ما كتبهُ الشيخ عن ما سبق.
وأختم هذه السلسلة من المقالات بقول الشيخ أحمد السيد في خاتمة كتابه: "لنتذكر أن عقيدة المسلم ليست نصوصاً تُحفظ، ولا أقوالاً يُجادَل بها، وإنما هي إيمان وخشوع وإخبات، وعمل وفاعلية وحياة، ويقين وطمأنينة ورضا".
الكاتب: مصطفى الحسان
اكتب تعليق اذا كان لديك اي اقتراح أو سؤال عن الموضوع